السلام عليكم ورحمة الله ..
الحمد لله رب العالمين،و الصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين و على آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين ..
أما بـــعد :
جاء في الحديث أن آخر رجل يخرج من النار إلى الجنة : رجل يدعو الله عز وجل أن يُخرجه من النار فقط ، فيستجيب الله له ويُعاهد الرجل ربه ألا يسأله شيئا غير هذا .. فخرج الرجل فإذا به ينظر إلى ظل شجرة من بعيد فيدعو ربه : يا رب قربني إلى هذه الشجرة استظل بظلها ، فيقول له الرب سبحانه : يا عبدي هل لك ألا تسألني شيئا بعد هذا ، فيقول العبد نعم يا ربي لك عهد علي أن لا أسألك غيرها .. فيقترب الرجل من هذه الشجرة فيرى شجرة أبعد ، وكُلما دعا ربه قال الله : يا عبدي ألم تعاهدني على ألا تسألني غيرها ، فيقول العبد نعم يا ربي ، ولكن لا صبر لي عن هذه ، فإذا به يذهب إلى الشجرة الأخرى حتي يقترب من باب الجنة ، و إذ بالعبد يسمع أصوات أهلها يتسامرون ويتضاحكون و يلهون .. يسمع حنين الأشجار و خرير الأنهار، فإذا بالعبد يحن إلى هذا النعيم و يطربُ قلبه و تهفو نفسه فيقول : ربي قربني من هذه الجنة ، دنني من بابها أرى أهل الجنة و أنظر إليهم و يأتي من رَوحها و ريحانها ، فيقول الله جل وعلا : عبدي هل لك أن أُدخلك الجنة و أُعطيك مثل مُلك مَلك من ملوك الدنيا و عشرة أمثالها، فيخاف العبد و يقول : ربي أتسخر مني و أنا العبد الضعيف الذي أثقلته الذنوب و المعاصي ، فيبتسم ربُنا سبحانه و يضحك النبي صلى الله عليه وسلم و يضحك الراوي و هو لم يصدق كيف بالعبد يخرج من النار ليحصل على الدنيا و عشرة أمثالها ، و يدخله الرب عز وجل جنة عرضها السماوات و الأرض .. .. هذه الجنة فما السبيل إليها ؟
هل لك أم ؟ هل لك أب ؟ .. الوالد أوسط أبواب الجنة ، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (
يا رسول الله إني أريد الجهاد ، أبتغي بذلك وجه الله و الدار الآخرة .. فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : أحية أُمُك ؟ قال : نعم ، قال : اذهب فبرها ، فتعجب الصحابي من الجواب ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلك من الجهة الأخرى فقال: يا رسول الله إني أريد الجهاد ، أبتغي بذلك وجه الله و الدار الآخرة . قال : وَيحك ، أَحية أمك ؟ قال : نعم ، قال : اذهب فبرها ، فإذا بالسائل يأتي النبي عليه الصلاة والسلام المرة الثالثة يطلب صحبة النبي في الجهاد ، فقال عليه الصلاة والسلام : اذهب فالزم رجل أمك فثم الجنة ) .. قال سبحانه و تعالى : {
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } ربما قد لا يحتاجان إليك إذا كان في قوتهما بقدر ما يحتاجانك عند الهرم والوهن و الكبر ، قال عز من قائل : {
إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا }، إن كلمة أٌف كلمة صغيرة ، فما أدراك بالنهر و الزجر ، فلو كانت كلمة أصغر من هذا اللفظ لذكره جل وعلا ، فليس فقط أن لا تتكلم بالسوء حتى تُحقق البر، بل يجب عليك الدعاء لهما ، قال عز من قائل : {
وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } ..
حتى و ان تُوفي الولدان فإن البر يستمر حتى تخرج الروح من الحُلقوم ، لا تقل إنهما فاجران ، إنهما سيئان، إنهما لا يصليان ، حتى و إن كانا كذلك فعليك ببرهما و طاعتهما إلا إذا أمراك بالشرك الأكبر و السجود للصنم : {
فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}.. بالرغم بذلك يبقى البر قائما و الصحبة بالمعروف .. أين نحن من هذا الطريق الموصل إلى دار الخلد و الهناء ؟ .. هو من أسهل الطرق ، و لكن بعض الناس و يا آسفا لم يلج هذا الطريق .. في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان هناك شاب بار بوالديه ، وكان كبيرين في السن فاستأذنهما بالجهاد في سبيل الله فأذنا له . أذنا و القلب يتقطع حُرقة إليه ، لم يكن لهما سوى ابنهما .. فذهب البار شهورا يُجاهد في سبيل الله .. و أبوه قد بلغ من العُمر عتيا و من البكاء شوقا إليه قد أصبح ضريرا.. و في يوم من الأيام كان أبو كِلاب يتمشى فسمِع صوت حمامة في الحديقة مع فُريخاتها ، فإذا به يبكي و الحنين يعصر قلبه و هو يقول :
ألا من مُنشد عني كِلابـــــا ... كتاب الله لو قبِل الكتـــابا
إذا هتفت حمامة بطن وجٌ ٍ ... على بيضاتها ذكر كِلابـــــا
تركت أباك مُرعــشة يـــداه ... و أُمك لا تُسيغ لها شرابـا
فإنك وابتغاء الأجر بــــعدي ... كباغي الماء يتبع السرابا
المشرفة : الأميرة الصغيرة